عزيزي
تطاردني الإقتباسات.
أصبح الكل حكيمًا فجأة. تنسب جمل قصيرة بليغة لمشاهير وتنتشر على مواقع التواصل
الإجتماعي إنتشار النار في الهشيم. لا أحد يعلم يقينًا إذا ما كان القول المنسوب
لقائله حقيقيًا. لا أحد يهتم، لا بحقيقية المقولة ولا حتى سياقها. لا أحد يهتم في
هذا السباق الخفي من أجل الوصول لخلاصة الحكمة الضالة بحقيقة العبارات ولا سياقها
ولا حتى وجاهتها. كل ما يهم هو رنين العبارة ودوي إسم المنسوبة إليه. الرنين
والدوي هم ضالة الباحث عن الحكمة الضالة هذه الأيام.
أبحث أنا أيضًا عن
الحكمة كغيري، لكني لا أجدها في الإقتباسات. تثير الإقتباسات حيرتي وتزيد أسئلتي
سؤالًا مهمًا عن "الأجندة الخفية" لنشر مثل هذه الإقتباسات والسعي
العلني للبحث عن ضالة كل مؤمن.
مثلًا، نشرت إحداهن
إقتباسًا، كان الإقتباس سؤالًا أرادته صاحبته بلاغيًا. "ماذا لو كنت سكرانة
وحبست في غرفة مع كل أحبائي السابقين، أيهم سأختار؟".
تحمل مثل هذه الإقتباسات
رسائل خفية، ربما أرادت صاحبة الإقتباس أن تخبر حبيبًا ما أنه إختيارها، ربما
أرادت أن تخبر آخر أنه لم يكن أبدًا إلا واحدًا من كثيرين. وربما أرادت أن تعيد صياغة
حكمة إحسان عبد القدوس الخالدة "أن حبك الأول هو حبك الأخير". لن يمكننا
أبدًا معرفة "الأجندة الخفية" لناشر الإقتباس ولا يهمنا أبدًا أن نعلم.
كل ما يهم هو ما قد يتركه هذا الإقتباس العابر من أثر في نفوسنا ومن ثم على
حيواتنا.
هل تظنني سأختارك؟
تطاردني الصورة: أنا
بنصف وعي، في غرفة مغلقة بها كل رجالي. من تراني سأختار؟
تزعجني الصورة، لا
يزعجني وعيي الغائب ولا صف رجالي الطويل – وتاريخ وجع القلب – قدر ما يزعجني أنني
لا أتذكر أغلبهم. كيف لنا أن ننسى من أحببنا يومًا؟!
هل النسيان دليل شفاء
القلب المجروح أم أن النسيان دليل على زيف الجرح؟
يزعجني النسيان وتزعجني
إجابتي على السؤال. ففي كل مرة أختارك. في غرفة مغلقة بها صف طويل من الحكايات
أختارك. أختارك بوعي "يقظ"، وأختارك بوعي "سكران". يزعجني إختياري
لك قدر ما يزعجني إقتباس آخر يطاردني.
"أنت تستحقين أن
ينظر إليك أحدهم وكأنك أعظم إنتصاراته"
لم أكن أبدًا أعظم
إنتصاراتك. ولا يجب أبدًا أن أكون. لا يجب أبدًا أن يكون شخصًا ما إنتصارًا لشخص.
يزعجني سخف الإقتباس قدر ما يزعجني أثره في نفسي. فرغم "وعيي" بسخفه إلا
أن جزءً مني يريد لي أن أكون أعظم إنتصاراتك. جزءً مني يريد لي أن أكون إختيارك سواء
في الوعي أو اللاوعي.
هل إخترتني أبدًا؟
يزعجني السؤال فيزعجني
إختياري لك، قدر ما تزعجني صورة – ربما من ماض أو حاضر أو مستقبل – لا تظهر فيها
سوا بشبح. ويتصدرها غيرك.
فترتل فيروز سفر الإخلاص وتزعجني: "لو جيت
نهار ع بيتي لقيت .. إنك حبيبي بغيابك جيت .. بتشوفن ما مرقوا إلا إيديك على
هالبيت .. كأنك حبيبي أنت وعينيك هلأ فليت"
يزجعني الإقتباس ..
وتعجزني الحكمة.
عزيزي .. هل إخترتك
أبدًا؟