الجمعة، 5 نوفمبر 2021

غرفة أحبائي السابقين

 

عزيزي

تطاردني الإقتباسات. أصبح الكل حكيمًا فجأة. تنسب جمل قصيرة بليغة لمشاهير وتنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي إنتشار النار في الهشيم. لا أحد يعلم يقينًا إذا ما كان القول المنسوب لقائله حقيقيًا. لا أحد يهتم، لا بحقيقية المقولة ولا حتى سياقها. لا أحد يهتم في هذا السباق الخفي من أجل الوصول لخلاصة الحكمة الضالة بحقيقة العبارات ولا سياقها ولا حتى وجاهتها. كل ما يهم هو رنين العبارة ودوي إسم المنسوبة إليه. الرنين والدوي هم ضالة الباحث عن الحكمة الضالة هذه الأيام.

أبحث أنا أيضًا عن الحكمة كغيري، لكني لا أجدها في الإقتباسات. تثير الإقتباسات حيرتي وتزيد أسئلتي سؤالًا مهمًا عن "الأجندة الخفية" لنشر مثل هذه الإقتباسات والسعي العلني للبحث عن ضالة كل مؤمن.

مثلًا، نشرت إحداهن إقتباسًا، كان الإقتباس سؤالًا أرادته صاحبته بلاغيًا. "ماذا لو كنت سكرانة وحبست في غرفة مع كل أحبائي السابقين، أيهم سأختار؟".

تحمل مثل هذه الإقتباسات رسائل خفية، ربما أرادت صاحبة الإقتباس أن تخبر حبيبًا ما أنه إختيارها، ربما أرادت أن تخبر آخر أنه لم يكن أبدًا إلا واحدًا من كثيرين. وربما أرادت أن تعيد صياغة حكمة إحسان عبد القدوس الخالدة "أن حبك الأول هو حبك الأخير". لن يمكننا أبدًا معرفة "الأجندة الخفية" لناشر الإقتباس ولا يهمنا أبدًا أن نعلم. كل ما يهم هو ما قد يتركه هذا الإقتباس العابر من أثر في نفوسنا ومن ثم على حيواتنا.

هل تظنني سأختارك؟

تطاردني الصورة: أنا بنصف وعي، في غرفة مغلقة بها كل رجالي. من تراني سأختار؟

تزعجني الصورة، لا يزعجني وعيي الغائب ولا صف رجالي الطويل – وتاريخ وجع القلب – قدر ما يزعجني أنني لا أتذكر أغلبهم. كيف لنا أن ننسى من أحببنا يومًا؟!

هل النسيان دليل شفاء القلب المجروح أم أن النسيان دليل على زيف الجرح؟

يزعجني النسيان وتزعجني إجابتي على السؤال. ففي كل مرة أختارك. في غرفة مغلقة بها صف طويل من الحكايات أختارك. أختارك بوعي "يقظ"،  وأختارك بوعي "سكران". يزعجني إختياري
لك قدر ما يزعجني إقتباس آخر يطاردني.

"أنت تستحقين أن ينظر إليك أحدهم وكأنك أعظم إنتصاراته"

لم أكن أبدًا أعظم إنتصاراتك. ولا يجب أبدًا أن أكون. لا يجب أبدًا أن يكون شخصًا ما إنتصارًا لشخص. يزعجني سخف الإقتباس قدر ما يزعجني أثره في نفسي. فرغم "وعيي" بسخفه إلا أن جزءً مني يريد لي أن أكون أعظم إنتصاراتك. جزءً مني يريد لي أن أكون إختيارك سواء في الوعي أو اللاوعي.

هل إخترتني أبدًا؟

يزعجني السؤال فيزعجني إختياري لك، قدر ما تزعجني صورة – ربما من ماض أو حاضر أو مستقبل – لا تظهر فيها سوا بشبح. ويتصدرها غيرك. 

 فترتل فيروز سفر الإخلاص وتزعجني: "لو جيت نهار ع بيتي لقيت .. إنك حبيبي بغيابك جيت .. بتشوفن ما مرقوا إلا إيديك على هالبيت .. كأنك حبيبي أنت وعينيك هلأ فليت"

يزجعني الإقتباس .. وتعجزني الحكمة.

عزيزي .. هل إخترتك أبدًا؟





السبت، 4 مارس 2017

عن الفول المسوس وكيّالينه العور



يظن البعض أن الاقتصاد علم جامد لإرتباطه بالأرقام. في حين أن الاقتصاد من العلوم الاجتماعية التي تُعنى بدراسة وتفسير السلوك الإنساني كعلاقة بين "الاحتياجات" و"الموارد". ولأن الموارد محدودة، تأتي الندرة في قلب المشكلة الاقتصادية. ويصبح الاختيار وآلياته محورا للدراسة.


الاقتصاد، ببساطة، علم يفسر في بعضه ويقترح في بعضه الآخر طرق استخدام "الموارد المحدودة" لتعظيم تحقيق الإنسان "لاحتياجاته". لذلك فالنظريات الاقتصادية تكاد تفسر كل الأشياء. بدءًا من القرارات السياسية الدولية إلى الزواج!

فالزواج احتياج. أو بمعنى أدق، الزواج اختيار لتلبية مجموعة احتياجات. احتياجات نفسية (الأمان العاطفي) واجتماعية (مركز وشكل اجتماعي) ومادية (جنس، مال، أطفال ..إلخ).


تشبه الحاجة إلى الزواج إلى حد كبير الحاجة إلى العمل. فالعمل، كما الزواج، خيار لتلبية احتياجات نفسية واجتماعية ومادية.

ومن ثم يُمكِن النظر إلى "سوق" الزواج بنفس طريقة النظر لسوق العمل. تحدث التفاعلات بين "اللاعبين" في كلا السوقين على مستويين، الجزئي وفيه يتفاعل الأفراد من أجل تحقيق حاجتهم. والكلي وفيه ينظر لعلاقة السوق مع الأسواق الأخرى (المجتمع ككل).


على مستوى الجزئي يمثل الأفراد جانب العرض (طالبي الأعمال) في حين تلعب "مؤسسة الزواج" دور الطلب (أصحاب الأعمال).


الغرض من إنشاء مؤسسة الزواج هو استمرار الحياة على الأرض عن طريق إقامة الوحدات المكونة للمجتمعات، الأسر. تعد المؤسسة "الأزواج" في المقابل بتعويض ملائم .. تحدث التفاعلات داخل السوق مابين قوى العرض والطلب لتعظيم منفعة الطرفين.


وكما تختلف الأجور ولا يسود أجر واحد سوق العمل تختلف وتتباين التعويضات المقدمة من "مؤسسة الزواج".. يرجع التباين في الأجور والتابين في التعويضات المقدمة من مؤسسة الزواج لأسباب مختلفة منها اختلاف التأهيل واختلاف المكان (العرف السائد) واختلاف الحد الأدنى من التوقعات.


وكما يطور الإنسان قدراته ليصبح أكثر جذبًا لفرص عمل ذات "أجر" أكبر. يطور الإنسان نفسه من أجل أن يصبح أكثر جاذبية لمؤسسة الزواج.


ولأن "كل فولة ولها كيال" فصاحب الدكتوراه، إفتراضًا، سيجد عملًا بأجر أكبر من صاحب البكالريوس. وذات المواهب المنزلية يُفترض أن تجد زواجًا أسرع ممن لا تجيد أعمال المنزل.


لكن هذه الافتراضات سليمة فقط في عالم مثالي تسوده المنافسة الكاملة. لكن لاعتبارات غياب المثالية والمنافسة الكاملة تأتي البطالة والعنوسة في قلب مشكلات المجتمع.


والبطالة أنواع، منها البطالة الهيكلية الناتجة عن فشل سوق العمل في التوفيق بين أصحاب الأعمال والراغبين في العمل.. والبطالة الدورية وترتبط بدورات الكساد والرخاء.. والبطالة الاحتكاكية وهي الفترات ما بين الانتقال من وظيفة لوظيفة.


وبالرغم من تنوع أشكال وتفسيرات البطالة إلا أن تعريف العاطل لا يتغير، طبقًا لمنظمة العمل الدولية العاطل هو "كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ولكن دون جدوى". لذا يستبعد من إحصاء العاطلين كل من لا يقدر على العمل، وكل من لا يرغب في العمل، وكل من لا يبحث عن عمل.


وعلى الرغم من تشابه البطالة والعنوسة إلا أنه لا يوجد تعريفٌ عالمي متفق عليه للأخيرة. فالعانس في اللغة، مثلًا، هي صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عنَسَ. "اِمْرَأَةٌ عَانِسٌ: أَسَنَّتْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ" وتستخدم أيضًا للرجال فيقال "عنَس الرَّجلُ: طالت عزوبتُه ولم يتزوّج". ومع ذلك تصر مجتمعات هذا الجزء من العالم على اعتبار "عانس" صفة نسائية. صفة جامعة مانعة للكثير من المعاني السلبية.


في زمن غابر كان من السنن أن تتزوج الفتاة مع البلوغ وكانت من تبلغ العشرين دون زواج "عانس"، ولكن ترك التطور بصمته وأصبح من المستحب أن تُنهي الفتاة دراستها ومن ثم يترك لها عام أو عامان لاختبار الحياة العملية وربما اصطياد العريس.. ثم يبدأ العد التنازلي للحصول على اللقب.


مبروك، إنتِ عانس!


ومع اللقب تأتي الصورة الذهنية. فكما ترتبط الصورة الذهنية للعاطل بأنه كسول وفاشل ولا يملك القدرات اللازمة للمنافسة في سوق العمل. يُنظر للعانس على أنها "معيوبة"، ولأنها معيوبة فهي يائسة بائسة.. فولة مسوسة!


يتناسى البعض عن عمد أحيانًأ وعن جهل أحيانًا أخرى أنه لا يُمكن إعتبار الشخص الغير الراغب في العمل والغير الباحث عنه عاطل. كما يتناسون أنه حتى وإن كان راغبًا وقادرًا ويبحث عن العمل بلا جدوى فهذا لا يعني أنه معيوبًا.


فالعيب الوحيد في الحالتين هو "السوق"!

السبت، 29 أكتوبر 2016

أسئلة بلا تبعات



عزيزي،

ربما لم أخبرك أبدًا أنني أظن أننا متشابهين. لم أخبرك لإنني أعلم أنك تظن أن ليس كمثلك شيء، فأنا أظن بنفسي ذات الشيء وهذا – كما ترى - أول تشابه. تشبهني أيضًا في ضجرك وفي صبرك، تشبهني حتى في الأولويات. ولكنك لم تهتم أبدًا بإبراز هذا التشابه، الذي ربما كان ليجعلنا ثنائيًا مثاليًا، كمثاليتنا فرادى. لم تهتم سوا بإختلافنا في توظيف الصبر والتعامل مع الضجر، لم تهتم سوا بتعارض أولوياتنا رغم تشابهها. لم تهتم "بالتوفيق" بين تلك الأولويات، ربما لإن التوفيق بينها مستحيلًا وربما – وهو الإحتمال الأدق – لم تحاول التوفيق بين أولوياتنا لإنك كنت "زهقان".

هل أصيبك بالضجر؟

لا أحتاج لإجابتك على هذا السؤال. فأنا أعلم أنني "مسلية" – مثلك تمامًا – وأنني لا أصيبك بالضجر أبدًا. أنت تضجر من طلباتي وتوقعاتي. وأكثر ما يصيبك بالضجر أسئلتي، ليس لإن ليس لهذه الأسئلة إجابات، بالعكس. تضجرك أسئلتي ذات الإجابات الواضحة، تضجرك تارة "لإني بتسغبى" وتارة لإن هذا "الإستغباء" يهدف لتقرير واقع لا تريد أنت تقريره.

أستطيع فهم ضجرك والتعامل معه أحيانًا لإنك تصيبني بذات الضجر – فنحن كما أوضحت سابقًا متشابهين. فأتجاهلك أحيانًا وأنفجر في وجهك باقي الوقت. أصبر على هجرك ولا أتعود قربك أبدًا. أودعك في كل مرة الوداع الأخير وأعاهد نفسي ألا أعود إليك أبدًا. ثم تعود فألقاك كما لو لم تغادر أبدًا. ثم تلح الأسئلة، فأقاومها لإنني أعلم الإجابة، أو ربما لا أعلمها يقينًا ولكنني أعلم يقينًا أنك لن ترغب أبدًا في منحي يقينًا. لكن يغلبني الضجر فأسأل، فيغلبك الضجر وتثور.
ندور في دوائر من الضجر والضجر المضاد الذي يمكن أن يتوقف لو توقفت أنا عن الأسئلة، أو ربما لو منحتني مرة إجابة. فالإجابة لن تكلفك الكثير، الإجابة بنعم أو لا لن تكلف أكثر من نصف دقيقة. ولكنك كما الحياة، لا تمنحني اليقين أبدًا. تتركني بشبه يقين يجعل من الإجابة واللا-إجابة سيان. لا تمنحني اليقين لإنك تعلم أن الضجر وحده هو ما دفعني للسؤال، لا تمنحني اليقين لإن ضجري يضجرك. فتتركني لضجري وأتركك لضجركك، ثم نعود بعدما يقتلنا في البعد الضجر.


الخميس، 21 يوليو 2016

هذا كل ما حدث

أبي العزيز

لم أكتب لك من قبل سوى مرة واحدة. لم أخبرك أبدا عما كتبت. كتبت لك بعد وفاة أمي. كانت رسالة تجمع كل مخاوفي وحزني. تخلصت من الرسالة بعد فترة. بعد أن نضج حزني وواجهت مخاوفي. 

لم أفكر في أن أكتب لك بعدها أبدا. لم أكن أبدا في حاجة للكتابة إليك. كيف أكتب لمن يقرأ أفكاري، ماذا أقول لمن يعلم ما أريد قبل حتى أن أريده.

ولكن الآن أكتب لك. لإن الإسبوع الماضي كان ثقيلا. وأثقل ما فيه أنك لم تكن موجودا للتأكد (كالعادة) بأنني مرتاحة ولا يعكر صفو حياتي شيء.

كنا سعداء.. هكذا أقول لكل من يسألني عما حدث. 
هل كنا نعيش واحد من أسعد أسابيعنا؟ ربما، وربما عشنا أسابيع أسعد. ولكننا كنا سعداء. 

ماذا حدث إذن؟ لماذا قرر القدر أن يحول سعادتنا لحزن؟ لماذا عبث القدر بجمعتنا واتفاقنا وقرر أن يفرقنا؟

أعلم يا أبي إنك كنت لتغضب لو عبرت عن مشاعري الحالية تجاه القدر جهرا. ولذلك لا أعبر عنها. أتجاهل غضبي وأسعى بكد للوصول للرضا بما جرت به المقادير كما علمتني. 

كنا سعداء .. ثم دق جرس الهاتف. كان رقمك ولكنه لم يكن صوتك. كان صوت عابر سبيل يبحث عن "أهل" الرجل الذي سقط لتوه دون سابق إنذار.

كنت على بعد خطوات منك. كنا أنا وأختي في إنتظارك. إنتاباني القلق بسبب تأخرك ولكنني طردت الوساوس. فطالما تأخرت ولطالما وغضبت لقلقلي.

ذهبت لأجدك غائبا عن الوعي. ما لا تعرفه يا أبي إنني قرأت كثيرا وتدربت كثيرا على إنقاذك في حال تعرضت لطارئ صحي.
قرأت عن أعراض جلطات الدماغ والأزمات القلبية والتعامل مع الكسور. قرأت كثيرا حتى أتفادى الصدمة التي شلتني حين رأيتك غائبا عن الوعي.

كنت في دنيا غير الدنيا يا بابا .. 

لم أستعد أبدا لنزيف الدماغ. لم أكن أتخيل أنه ممكنا. لم تمكنني معرفتي من حمايتك ولا إنقاذك. 

سرقك القدر مني فيما لا يزيد عن عشر دقائق.

كنا سعداء .. كنا سعداء يا أبي. 

هذا كل ما حدث. "كنا" سعداء. 

الاثنين، 13 يونيو 2016

سنتان




عزيزي،

في كل مرة أضطر لإستخدام كليشيه "كل سنة إنت طيب" تنتابني قشعريرة، لإنني أعلم إنني قد تمنيت للتو لشخص عزيز حول من الشدائد والمصائب. يهون علي أحيانًا أنني تمنيت له أن يخرج من "سنته" طيبًا. ورغم القشعريرة إلا إنني لا أتوقف عن إستخدام "كل سنة وإنت طيب" لإن سلو بلدنا كده ولإن "كل عام وأنتم بخير" ثقيلة على اللسان والأذان وأحيانًا – لإننا نعلم ما تفعله بنا الأيام -  على القلب.

عزيزي، كم عامًا حييت؟

هل نحسب الأعوام بما حدث أم نحسبها بما لم يحدث؟

ماذا يجعل السنة "سنة"؟

حينما قابلت الأستاذ للمرة الأولى لم أكن أتوقع أن يصحبني في رحلة من ظلمات "السنين" لنور الأعوام. كان العمل معه "الحدث" الذي غير مسار أيامي. كان العمل معه أشبه بالحلم، أو للدقة كان العمل معه حلمًا تحقق. وحينما تعيش الحلم لا تصبح للمنغصات قيمة تذكر. كانت فترة عملي معه "أعوام" رغم ما شابها من تفاصيل أخرى كانت لتجعل منها "سنين" عن جدارة.


ثم كان ما كان، كان يوم جمعة وكان يحمل الرقم 13. وكما كل جمعة 13 تراودني أفكار إعتبار اليوم شؤمًا في بعض الثقافات وإعتباره فئلًا حسنًا في ثقافات أخرى. كان يوم نشر مقالي الإسبوعي وككل يوم نشر كنت أنتظر رأي الأستاذ. كان يومًا "ظريفًا" أو هكذا أردته أن يكون، وكان يومًا عاديًا حتى وجدت خبر وفاته يمر أمامي. لم أصدق الخبر، إعتبرته شائعة من قلوب سوداء. حاولت الإتصال برقمه ولكنه كان مشغولًا بإستمرار. لم أصدق الخبر، وأخذت أدعو له بالصحة والعافية وأنتظر تكذيبًا للشائعة. ولكن الشائعة لم تكن شائعة، ولم يعد هناك بد من مواجهة الحقيقة. فالموت يا عزيزي، كما تعلم، هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة.


مازلت أذكر تفاصيل اليوم رغم كل ما أبذله من جهد لأنساه.

كان رحيله "سنة" لم يغيرها أحداث كانت في وجوده لتصبح "أعوامًا".

لله ما أعطى ولله ما أخذ.


الجمعة، 6 مايو 2016

سقف التوقعات وأرض الواقع



البدايات  - أي بدايات – دائمًا مفعمة بالأمل. ينبع أمل البدايات من خليط "خطر" من الحماس والتوقعات. في البدايات، كل البدايات، كل شيء ممكن مادام توافرت الإرادة لتحقيقه. لكن البدايات ليست إلا بدايات، تعد بتحقيق الأحلام، فتارة تتحقق وتارة تتحول أحلامنا كوابيس.

أحلام الحب التي تتحول لكوابيس، كغيرها من الأحلام، تترك في النفس غصة. ولإن "اللي يتلسع من الشوربة بينفخ في الزبادي" نحاول تعديل أحلامنا مع كل فرصة حب جديدة. ومع كل فشل جديد يظهر "مدعي الحكمة" بتعليقهم الأزلي "توقعاتك غير واقعية، يجب عليك تقليلها". إتباع هذه النصيحة لن يمنع تكرار الفشل، بل على العكس أحيانًا تتسبب هذه النصيحة في المزيد من الفشل والإحباط.

فالواقع – إن شئنا أو أبينا – يأتي في أغلبه مطابقًا لما نتوقعه. فنحن نحصل على ما نظن أننا نستحقه، لإننا نعمل بكد للوصول له. فإذا كانت توقعاتنا أننا لن نستطيع أن نحصل على ما نظن أننا نستحق فالنتيجة دائما هي إننا لن نحصل عليه. فالتوقعات هي الواقع مادامت "رشيدة" أي في إطار "الممكن العمل على تحقيقه".

ما هي التوقعات الرشيدة في العلاقات العاطفية؟

تأتي الإجابة على هذا السؤال من موقع سايكولوجي توداي. هناك ثمان توقعات أساسية يجب على كل علاقة عاطفية توفيرها.

1-    العاطفة:
التعبير عن العواطف سواء بالقول أو الفعل. إن شريكك يوصلك بأي (وكل) طريقة إنك "عاجبه". ده توقع مشروع ورشيد.

2-    التعاطف:
من حقك التوقع أن شريكك يكون مكان للتخفيف عن شعورك بالألم. ليس من الضروري إن شريكك يشاركك التألم، ولكن المهم إنه يتفهم إنك متألم ويدعمك.


3-    الإحترام:
الإهانة خط أحمر. العلاقة التي لا توفر الإحترام علاقة فاشلة.


4-    الأخذ بعين الإعتبار:
من حقك توقع أن شريكك يفكر في تبعات تصرفاته عليك.


5-    الوقت:
اللي مش عارف يلاقي وقت لك، بكل تأكيد إنت مش في حياته أصلا!


6-    الإهتمام:
من حقك توقع إن شريكك يهتم برأيك وأنشطتك وتفاصيل يومك.


7-    الحميمية:
والحميمية ليست فقط الجنس. الحميمية هي أن يسمح لك شريكك بأن تعرف نقاط ضعفه وأن تسمح له بالتعرف على نقاط ضعفك.


8-    الكرم:
والكرم هنا ليس الكرم المادي، ولكنه كرم المعاملة الجيدة. ألا يضن عليك شريكك بما تحتاجه منه.


تبدو تلك التوقعات كبديهيات يجب أن تقوم عليها كل العلاقات ولكن تلك ليست الحال في كل وقت. أحيانًا تقوم العلاقات على توقعات أقل، وأحيانًا تفشل العلاقات بسبب الإختلاف في تعريف تلك التوقعات رغم الإتفاق على بديهيتها. فنجاح أو فشل العلاقة لا يعتمد فقط على التوقعات الفردية لكل شريك ولكن الأهم على تبادل تلبية تلك التوقعات.


وظيفة التوقعات الفردية هي منع "إنبطاق سقف التوقعات على أرض الواقع" والوصول للنقطة المعروفة ب "رضينا بالهم والهم مش راضي بينا". لإن الهم، هم مهما إسترضيته لن يرضى.

الاثنين، 2 مايو 2016

اللمبي!




في تقليد سنوي بدأ من حوالي المئة عام، يحتفل المواطن المصري من سكان مدن القناة (خاصة بورسعيد) بشم النسيم بحرق دمية "اللمبي". هذا الطقس الإحتفالي مثله مثل اليوم المحتفى به في الدلالات التاريخية.

تبدأ قصة حرق "اللمبي" مع محمد علي باشا. عُرض على محمد علي باشا مشروع طموح سيغير شكل التجارة العالمية ولكن محمد علي باشا رفض المشروع، ويقال أنه قال في أسباب رفضه "لا أريد بسفورًا أخر في مصر". كان المشروع هو "قناة السويس". وكان رفض محمد علي باشا للمشروع في وقتها قرارًا حكيمًا. كان الباشا مشغولًا "برستأة" حكمه في مصر التي كانت جزءً من الإمبراطورية العثمانية. كان الباشا يناوش العثمانيين تارة ويهادنهم تارة. وكان يتحالف مع أعدائهم أحيانًا كما كان ذراعهم التي تطول أعداءً أخرين في أوقات أخرى. كان مشروع القناة مشروعًا طموحًا "لوجع الدماغ". كانت مصر طرفًا في صراع قائم بين قوى العالم في وقتها، وكانت القناة ستجعل مصر على رأس أجندة الصراع وليست على هامشه.


ولكن ورثة محمد علي لم يكونوا بحكمته، أو ربما لم يجدوا غضاضة في التحرك من هامش الصراع العالمي إلى قلبه. منح سعيد باشا حق حفر القناة لشركة فرنسية مما أثار حفيظة الإنجليز. شكل حفر القناة تهديدًا مباشرًا للمصالح الإنجليزية، فحاول الإنجليز عرقلة المشروع ثم السيطرة عليه، تارة بشراء حصة مصر وتارة بالتدخل العسكري بحجة دعم الخديوي توفيق في مواجهة تمرد أحمد عرابي.  ولم يهدأ لهم بال حتى تم توقيع إتفاق القسطنطينية الذي يقر بأن القناة مجرى ملاحي محايد.

لكن تواجد الإنجليز لحماية القناة ومن ثم مصالحهم لم ينهي صراع القوى العالمية ولم يخرج مصر من قلب هذا الصراع. ومع إندلاع شرارة الحرب العالمية الأولى أصبحت مصر"العثمانية" تحت حماية البريطانية.
وفي 1915 تحركت قوة ألمانية عثمانية مشتركة للسيطرة على شبه جزيرة سيناء وقناة السويس.

وهنا يظهر "اللمبي" للأضواء.



"اللمبي" هو الفيلد مارشال "إدموند ألنبي"( وكما هو واضح وقع إسمه ضحية لمقص "الفوناتيكس"). قاد الفيلد مارشال ألنبي قوات التجريدة المصرية في حملة سيناء وفلسطين في الحرب العالمية الأولى. دافع ألنبي عن سيناء والقناة ضد الهجوم العثماني ونظم القوات للإستيلاء على غزة وحيفا وبئر سبع والقدس ووادي الأردن .. إلخ من وقائع المسرح العربي في الحرب العالمية الأولى.

حارب ألنبي وإنتصر. ويمكننا إعتباره أحد مهندسي الشرق الأوسط الذي تربينا على "حدوده". ويحتفى به وببطولاته في دول جارة تدين لجهوده بوجودها. لكن بطولاته هذه لم تشفع له لدى سكان المناطق التي استبسل هو وجنوده للدفاع عنها!

أجبر ألنبي سكان القناة على مساعدته في حربه، التي يبدو أنهم لم يكونوا مكترثين بها كثيرًا، فأضمروا له الضغينة. ثم جاء عام 1919 بحراكه الوطني وكان الموقف المعروف للقوات الإنجليزية ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بتعين ألنبي مندوبًا ساميًا لمصر.

تحول ألنبي من بطل لكنية مصرية (تحول الألف واللام في بداية إسمه إلى ألف ولام التعريف بنفس مقص الفوناتيكس الذي حول النون ميمًا) ترمز لكل ما هو مكروه يتم حرقها في إحتفال سنوي يثبت أن سكان هذه الأرض أقدم من كل "لمبي" مر عليها.



كل سنة وإنتم مصريين!